إن لوطننا امتدادا عجيبا للنفوسِ والقلوب، وهو المغروس في ذكرياتِ مواطنيه، الساعي في قلوبهم، المبثوثُ في أجسادهم؛ ففي كل إنسان صورةٌ جميلة لبنائه، وفي كل ديرةٍ وناحيةٍ تاريخُ العمقِ الحضاري وجذر السعي البشري، والتحوّل المدني؛ فتوسعت الديار وأنبتت وربَت شبابًا وبناتٍ معلمين بالامتدادِ رسوخًا والحضارةِ ظهورًا والحياة جمالاً وأبهة. وقد تصاهرت البداوة والحضارة لتُنتج إنسانَ القيمةِ الراسخة، واللغة، والمدينة؛ فجمع إلينا مِن الكائناتِ والمكوناتِ التي يعيش فيها هذا اليومُ البهي على مدار السنين وفي الأعوام كلها.
دُوَّر العالمُ في رحى حكايتنا الخلود؛ فأصبحنا أديمًا للعيش الحلو، مُرونقًا سُحنًا حُسنًا يمد شذاهُ على المدى لغةً للآباء في وطنٍ حمَل موئل الثقافةِ المكونةِ في أقطارهِ ونواحيهِ ليعطى إنسانها وأرضها سنينَ ضوئيةً لا تُعدّ ولا تحصى من الألقِ والسموِ والابتكار والأصالة. وبذلك سعت الديارُ ملتحمةً على هدي الاجتماع المظفّر للبناءِ بدماء المؤسسين - رحمهم الله وأجزل لهم الثواب - إنها الأرضُ التي دنت وتدلت ثمارًا يانعةً للصبرِ الجميل فكان أعظم ما فاء به عمل هذهِ المعاني العميقة، وهذه المباني الوفيرة في البنيانِ والمكونات، وهذه الحضارة المديدة، وهذهِ القيادة السامقة العليَّة. هذهِ البلادُ التي أرست لوحةً للظفر والتضافر،وقد كوّن شعبُها إنسانًا واحدًا يُحس بمختلفاتِهِ ويعي تنوعاتِهِ مُمكّننًا بقدراتهِ الخارقة.
تجذرت نفوسُنا وارتقت بالمعنى الأول؛ سعوديون للنصرِ مجبولون على الحُبّ إرادةً وامتثالا وحركةً ترسمُ سياقاتها في الوجود؛ فنبلج في البصائر والأبصار برؤيةٍ حازت الحكمةَ والتطلعَ ونالت جذوةَ الازدهار وزادت، ولذة الانتصار وعمادُ ما ركنت إليه. إذ أصبح المُلهَم صاحب السمو الملكي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز مرأى العالمِ المُنبهر بالإنجازات والعطاءات والتحوّل على الوجود الذي تحسّن وزان واصطفى وأصبحَ مُتلألئًا جميلاً، وبعض من ذاك ما نراهُ من سعي الحياةِ والعالم لبلادنا ولكوننا محطَّ الأضواء واهتمامَ البرايا.
وقد قُدت صيرورتنا سماءً مآلا رفيعًا بحكمةٍ وفتوةٍ واقتدار، وَطَن مُستقر في أعزِّ موضعٍ في صدورنا، وطنٌ مكوّن بالنورِ مديدًا، وبالنورِ مكونًا ومُحوّلاً، وفينا ملكٌ قد حاز العلياء كُلَّها بالقرارِ والإنجاز والتمكين، لدولةٍ حازت النصر في المجالاتِ وأرستْ برؤيتها المآلات العُليا، فالحمدُ للهِ الذي سيَّرنا للخير، وفجَّر الخير بيننا، فغدت أماكننا ملمومةً بالربيعِ الدائم ذاتًا ومآلا؛ إن هذه المُدن والديار مُتحدةٌ بأكبادنا وملمومةٌ بقلوبنا وذكرياتنا، ورفيعةٌ بتطلعاتنا وآمالنا، إذ كل ذرةٍ فيها صورةٌ عن الامتدادِ الراسخ والتنوع الذي تزهو بهِ السعوديةُ تضاريس وثقافةً ومُجتمعًا وقد طُبع في كل ناحيةٍ مِنها ما خطهُ - آل سعود- من التاريخ والحاضر، فجمع إليهم هذا الشعبُ وهذه الأرض المنوّع بكافةِ أشكالهِ وثقافتهِ؛ وقد جُعل لوحة حققت الأساطير رأي العينِ باجتماعها وألفتها وانصهارها، هذا المزيج الذي عُجن وتحوّل للسعوديةِ التي نرى نموًا وازدهارًا ورفعةً واقتدارًا.
وقد ترنم الوجودُ باللغةِ المصوغةِ بالسعي الأولِ حيثُ اختطَّه الملكُ عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود - رحمه الله- وأجزل له الثواب ومن معه - ودانت لهُ السعوديةُ برحابها أرضًا وإنسانًا فكوّن في تفاصيلها عالمًا مَشيدًا لحقبةٍ قدَّت المحل الأرفع بالتاريخ وأرست عماد الحاضر المتين؛ في ديارٍ لمت مهوى أفئدةٍ للفلاحِ الأنقى حيثُ عُمِرت بالحُب، والحياة، وقد وردت زلال سعيها، ومتانةَ إيمانها، وقوةَ مكنونها المديد. إنهُ السعي المحمود المشكور الأبرّ على المكتسباتِ والنّاس.
وفيها مدنٌ مديدة تجاوزُ الحدّ لتعمر قلوبًا مؤمنة؛ مكة والمدينة، وقد تسلسل إنسانُ البلادِ مِن ولاداتِ الأمجادِ وذُروة العِزة حيثُ ولد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتنقل وسعى، وكلمنا بالدين المكين؛ فكان هديَّة وهداية منارًا للكون والنّاس الحقيقةِ بوعي الرسالة، والحُبّ لله عزوجل إذ هدانا إلى دينهِ ونوَّرنا بالانقيادِ إليه. وهي دار الصحابةِ رضوان الله عليهم، والأئمة المتبوعين مالك بن أنس - رضي الله عنه- ومن جاء بعدهُ من الفقهاءِ والعلماءِ وأهل الدين وقد كان لتأسيس الدولةِ على رايةِ لا إله إلا الله محمد رسول الله أعظمُ أثر طالع، وأصلٌ ناجز للعزةِ والمكانةِ الأرفع، فالشكرُ لله إذ هدانا وأهدانا وطنًا وولاةَ أمر مِنا محل السُدّة العلياء وموضع الإعزاز والتكريم والتبجيل.
يومٌ خزَّن في رحاه سنين لا عدّ لها، إشراقًا عزيزًا على الإنسان والمكان، يلوحُ خفاقًا بالبسماتِ الفرحانة، وبالقلوبِ الطربانةِ؛ صبابةً إليهِ وانتماءً قد حُوّل في النّاس والبنيانِ فجُعل فريدًا مصقولاً ومعالم نديةٍ وقوية في المعنى، والمبنى فتكونت لنا لغةٌ خاصة يستعذبها الكون، وسياق لهُ علامات وشمائل لا ثنيّ لها، فللسعودية امتدادٌ عالمي مرموق، وأثرٌ على البلاد بالوجودِ محمود، وصيرورةٌ قد جاوزت الحدود فإنك لتشعرها في الصحارى العميقة وفي القرى والهجر الصغيرة وفي الطقس المنوّع في جهات وطننا القاري.
نحمد لله ففينا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله- الذي جُعلت كلماته الجليلة مُحفزًا للنفوس العطاء بوعي وطنها وما تعودُ إليهِ، والذي قال: « اذكروا أن بلادكم أقدس بلاد العالم، وأنها قبلة المسلمين، وأنها منطلق الرسالة، وأن هذه الجزيرة التي تشكّل المملكةُ الجزءَ الأكبرَ منها هي منطلق العروبة في كل مكان من العالم، فلهذا فإن كل مواطن في بلده لوطنه عليه حق».
ونحنُ نرى بلادنا بعيونِ قلوبنا المبصرةُ جلالًا وضياءً، وتقدمًا للحياةِ وانتماءً يُزين البقاء بلغةٍ غناء ومدادِ حكمةٍ بنّاء، فكانت ولادةُ هذا الكيان أصلًا يرفعُ إليهِ العرب والمسلمون في كل قطرٍ ومكان، وحيث ارتباطاتها الراسخة بحضارات العالم وثقافاتِه، فلنا اليدُ العليا في الحضارةِ والرسوخ؛ إنك لتجدُ في إنسان هذه الأرض أجلَّ المعاني ولغةً ساميةً للعلالي وتجذرًا عميقًا في المعالي.
وقد قامت رؤيةُ سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- قائدًا مُلهِمًا لما وصلت إليهِ المملكة العربية السعودية من ازدهارٍ وتمكينٍ لا نظير لهُ وهو القائل «يسرني أن أقدّم لكم رؤية الحاضر للمستقبل، التي نريد أن نبدأ العمل بها اليومَ لِلغد، بحيث تعبر عن طموحاتنا جميعاً وتعكس قدرات بلادنا».
فبلادنا المديدةُ بقدراتها وممكناتها الشاسعة قد حُملت بسرعةِ الضوءِ وأكثر إنجازًا وإبداعًا وجمالا ورفعةً،فبهذهِ التحوّلات التي نعيشُ قد نلنا العلياء في السياقاتِ المُختلفةِ.
وفي هذا اليومِ العزيز؛ تنبضُ في قلبي ذِكرى جهاد الأجداد في كل قطرٍ وجهةٍ من ديارنا حتى صارت الدولة، وقد عرف التاريخُ لصنيعهم الأثر الوافر المديد المُستمر لما نحنُ عليهِ اليوم من نهضةٍ ورقيٍّ وتطورٍ.
وقد طربت نفسي لعديدٍ من الروايات والأحداث مع الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- كيف دانت إليه الديار وأهلها.
فالحمد للهِ على بلادنا وعلى ولاتنا وعلى شعبنا.